سنة الحبيب من المنظور الصحى (حلقة 24)

سنن الوضوء


أولا: غسل اليدين (الكفين):

قال أوس بن حجر الثقفي رضي الله عنه: ((رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم توضأ فاستوكف ثلاثا)) (أحمد والنسائي). استوكف: غسل يديه.
اليدين هي أكثر أجزاء الجسم نقلاً للأمراض، وبمعنى آخر: إنّ أكثر الأمراض تنتقل عن
طريق اليدين مقارنة مع بقية أجزاء الجسم، والسبب هو أنّ اليدين هي أكثر الأجزاء
استعمالاً في الحياة اليومية سواء للجسم أم لغير الجسم، والأكثر خطورة في اليدين هي
الأظافر، ولذلك كان من السنن المؤكدة تقليم الأظافر، ولذلك أيضاً يشدد الأطباء على
غسل الأيدي كوسيلة في الوقاية من نقل الجراثيم، سواء إلى الإنسان نفسه صاحب اليدين،
أم إلى غيره من الناس.

ثانيا: المضمضة – الاستنشاق والاستـنثار:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا توضأت فمضمض)) (أبو
داود).

وقال أيضا: ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ، ثمَّ
ليستـنثر)) (البخاري ومسلم).

المضمضة: إدارة الفم وتحريكه بالماء.

الاستنشاق: إدخال الماء إلى الأنف.

الاستنثار: إخراج الماء من الأنف بالنفس.

الفم هو المدخل الأساسي للأمراض المنتقلة بالطعام والشراب، مثل
الحمى التيفية، والحمى المالطية، وداء حيات البطن، و الزحار العصوي، والزحار
المتحولي، وشلل الأطفال، والكوليرا، إضافة إلى أنه توجد في الأحوال العادية العديد
من الجراثيم المسالمة وغير الممرضة في الفم، وهذه تتحول إلى ممرضة، وتؤدّي للمرض
إذا أصيب الجسم بحالة من الضعف، وإضافة إلى وجود بقايا الأطعمة في الفم بعد الطعام
والتي تشكل وسطاً مناسباً للعفونة، ونمو الجراثيم.
بعد هذا الكلام عن الفم والأنف من الناحية المرضية نستطيع أن ندرك عظمة التشريع
النبوي حين أمر بالمضمضة, والاستنشاق, والاستنثار خمس مرات في اليوم الواحد, فهو
تشريع يحقق هدفين: يساهم في النظافة الشخصية من جهة, كما يساهم في الوقاية من عدد
كبير من الأمراض من جهة أخرى

ثالثا: تخليل الأصابع:


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا توضأت فخلل أصابع يديك
ورجليك)) (أحمد والترمذي).

تخليل الأصابع هو: غسل الثنيات ما بين الأصابع, و الثنيات ما بين
الأصابع تأتي بالدرجة الثانية من الأهمية بعد الثنيات ما تحت الأظافر في كونها
مكانا ملائما لتجمع الأوساخ ونمو الجراثيم فيها, ومن هنا أهمية غسلها عدة مرات في
اليوم , كما هو الهدي النبوي في الوضوء, ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى الثنيات بين
الأقدام, التي إذا اجتمعت فيها الأوساخ, والعرق الناتج عن حركة الإنسان وقيامه
بالجهد أصبحت هدفا ملائما للإصابة بداء فطري معروف ومشهور يسمى: المبيضات
البيض.

وكثيرون هم الذين يصابون ((بالسماط)) في هذه الأماكن، ومن المعروف
أنّ العلاج الدوائي يساعد على الشفاء، ولا يتمه، وأنّ الشفاء لا يتمّ إلا بغسل هذه
الأماكن، وتهويتها لمرات كثيرة، هذا أمر يعرفه الكثير من الناس، ومن التجربة، ومن
النادر ألا يُصاب به المرء لمرة واحدة في حياته.

رابعا: مسح الأذنين:

جاء في سنن أبي داود: ((أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح في
وضوئه رأسه وأذنيه باطنهما وظاهرهما، وادخل أصبعيه في صماخي أذنيه)) (أبو
داود).

كما جاء في مسند الإمام أحمد في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ((ومسح برأسه وأذنيه مرة واحدة)) (أحمد).

السنة في الوضوء: مسح باطن الأذنين بالسبابتين، وظاهرهما
بالإبهامين، ولكن لماذا كانت السنة مسح الأذنين وليس غسلهما؟.

إنّ الوجود المتكرر للماء داخل الأذنين يُعتبر من العوامل المؤهبة
للإصابة بالتهاب الأذن الظاهرة، وهذا ما يلاحظ لدى الأطفال الذين يقومون بالسباحة
المتكررة، ولا يستطيعون منع دخول الماء إلى آذانهم، ومن هنا يُعتبر غسل الأذنين
بالماء من العوامل المؤهبة لالتهابات الأذن الظاهرة، في حين أنّ مسحهما بالماء
يساهم في نظافة الأذنين، كما يساهم في إزالة الجراثيم والوقاية من الأمراض التي
تصيب الأذن بدخول الجراثيم.

خامسا: السواك:


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لولا أن أشقّ على أمتي
لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء)) (الشافعي في المُسند ومالك في الموطأ).

وقد تكلمت عن السواك بشكل عام فى موضوع كامل وعن
دوره في الوقاية من أمراض الأسنان وأمراض اللثة، وهنا نؤكد على دوره في الوقاية من
الأمراض الهضمية، وذلك بإزالة بقايا الأطعمة ليس من الفم فحسب، فهذا دور المضمضة،
وإنما إزالة هذه البقايا من الثنيات بين اللثة والأسنان، ومن الثنيات بين الأسنان
نفسها، ومن الحفر التي تكون موجودة في الأسنان، وإزالة البقايا الطعامية يقطع
السبيل على تخمّر هذه المواد، ونمو الجراثيم، والعفونة التي قد تُصيب الفم، ودور
ذلك في الوقاية من الأمراض.

سادسا: تثليث الغسل:

عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: ((أنّ النبي صلى الله عليه وسلم
توضأ ثلاثاً ثلاثا)) (أحمد ومسلم).

تثليث الغسل هو غسل الجزء من الجسم ثلاث مرات، وليس مرة واحدة،
كغسل اليدين ثلاث مرات، والمضمضة ثلاث مرات وهكذا، وهو السنة التي جرى عليها العمل
غالبا، والتثليث وإن كان عملاً عباديا، فإنّ له مدلوله الطبي في النظافة الشخصية،
وفي المبالغة في الوقاية من الأمراض التي قد تصيب الجسم.

هذه السنن التي تكلمنا عنها، والمتعلقة جميعها بالوضوء، تؤكد لنا
عظمة التشريع النبوي والطب النبوي في الوقاية من الأمراض، فقد شملت كل المداخل التي
قد يسلكها الجرثوم في طريقه إلى البدن، فقد شملت الفم بالمضمضة والسواك، والأنف
بالاستنشاق والاستـنثار، واليدين بالغسل، وأصابع اليدين بالتخليل، وكذا أصابع
القدمين والأذنين بالمسح، فهل بقي مدخل للجراثيم إلى جسم الإنسان لم يشمله هذا
التشريع النبوي بالتنظيف.

نحن لا نتكلم عن كل فوائد وحكم الوضوء، فهذا أمر كبير، وتعدادها
وشرحها قد يحتاج إلى كتاب، ولكننا تكلمنا عن واحدةٍ فقط من حكم وفوائد الوضوء وهي
المتعلقة بعالم الجراثيم، والحمات الراشحة، والفطور، والوقاية من الأمراض التي قد
تسببها هذه الكائنات الحية.

فتصور إنساناً يقوم بهذه الأفعال الوقائية خمس مرات في اليوم، وفي
كلّ مرة يكرر الفعل ثلاث مرات، إنّ احتمال إصابته بهذه الأمراض هي ولا شك أقل بكثير
من الإنسان الآخر الذي لا يفعل ذلك، لأنّ نسبة الجراثيم وأعدادها تكون قد انخفضت
إلى حدّها الأدنى، والله أعلم.

جزاك ربى الفردوس الاعلى

وجزاكى مثله
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]