هناك درس خالد في حياة الرسول المصطفى (ص) هو في قمة ما
ظهر على مسرح الابداعات السلوكية لتلك السيرة الشامخة,وقد
جمع هذا الدرس الفريد كل الحقيقة الايمانية والانسانية
والوجدانية التي جعل النبي الكريم (ص) حياته الشريفة محورها
وفداءها,واستطاع بثباته الاوحد عليها,وتضحياته الكبرى على
طريقها,ان يجسد النموذج الاعلى للقائد الحقيقي الذي يعيش
لربه وضميره وامته.
انه الدرس الذي اشرق من فجر النبوة الخاتمة بدلالاته
العظمى :عمق الإيمان,وحرمة الانسان,ودقة الميزان.
تقول السيرة :طلب رسول الله في مرض وفاته من بلال ان يدعو
الناس الى الاجتماع في المسجد لأمر مهم يريده,فلما اعلمه
باجتماعهم,خرج اليهم متعصباً بعمامته,ليقف امامهم,ويقول
لهم:
(إن ربي عز وجل حكم واقسم ان لايجوزه ظلم ظالم,فناشدتكم
بالله أي رجل منكم كانت له قبل محمد مظلمة الا قام ليقتص
منه,فالقصاص دار الدنيا احب الي من القصاص في دار الآخرة
على رؤوس الملائكة والانبياء.)
فقام إليه رجل من اقصى القوم يقال له سوادة بن قيس,فقال له
فداك ابي وامي يارسول الله,إنك لما اقبلت من الطائف,استقبلتك
وانت على ناقتك العضباء,وبيدك القضيب الممشوق,فرفعت
القضيب,وانت تريد الراحلة,فأصاب بطني,فلا ادري عمداً أو
خطأ,فقال معاذ الله ان اكون قد تعمدت,ثم قال يا بلال قم الى
منزل فاطمة واتني بالقضيب الممشوق.
فخرج بلال وهو ينادي في سكك المدينة,معاشر الناس من ذا
الذي يعطي القصاص من نفسه قبل يوم القيامة,فهذا محمد يعطي
القصاص من نفسه.ولما عاد القضيب ناوله رسول الله,فقال
رسول الله (ص) اين الشيخ؟ فقال الشيخ ها أنا ذا يارسول
الله,بأبي انت وامي,فقال تعال فاقتض مني حتى ترضى,فقال
الشيخ فاكشف لي عن بطنك يارسول الله,فكشف (ص) عن
بطنه,فقال الشيخ :بابي انت وامي يارسول الله اتأذن لي ان اضع
فمي على بطنك,فإذن له,فقال اعوذ بموضع القصاص من بطن
رسول الله من النار يوم النار,فقال رسول الله ياسواده: اتعفو أم
تقتص؟فقال بل اعفو يارسول الله,قال رسول الله (ص)
(اللهماعف عن سواده كما عفا عن نبيك محمد).